You are currently viewing ثقافة العنف الاسري ضد الزوجه في الاسرة العراقية .

ثقافة العنف الاسري ضد الزوجه في الاسرة العراقية .

   

 

ثقافة العنف الاسري ضد الزوجه في الاسرة العراقية .

 

 

 

 

       لعل من حقائق الامور الاشارة الى ان السنوات التي تلت احتلال العراق عام 2003 قد اسهمت في تفكيك البنى والوظائف والعلاقات القيمية بعد تعرض العراقيين بسبب الازمات التي مروا بها (الحروب والحصار الاقتصادي والاحتلال وفقدان الوضع الامني ) الى ضغوط نفسية متواصلة ادت الى تكريس مجموعه من المشكلات والتحديات . اذ اخترق العنف جدران المنزل ليفرض نفسة على الاسرة وعلية يشكل العنف الاسري تهديدا خطيرا لكيان الاسرة وحقوق الانسان .  فالعنف بشكل عام والاسري منه بشكل خاص قديم قدم البشرية . الا ان ظهوره بالمستوى والشدة التي نشهدها اليوم . انما نتيجة لظروف اجتماعية ، وثقافية ، واقتصادية ، وسياسية ، ولعل في الظروف الاقتصادية الضاغطة وما تعرض له المجتمع  العراقي من ازمات وما يتبعها من تغيرات عميقة تركت اثرها في بنية المجتمع ومنظومته القيمية والمعيارية . اذ اصبح العنف سيد الموقف وبان اللجوء اليه او التهديد به لفض المشكلات البسيطة والمعقدة امرا محتوماً .

      اصبح العنف يهدد أمن المرأة واستقرارها الاجتماعي والنفسي حيث تمتهن خلالها ادميتها وكرامتها واحترامها لذاتها . فطرق العنف باب مؤسسة الاسرة وكشف عن مشكلة طال امدها وكانت الضحية فيها الزوجه والابناء . فسلوكيات العنف الاسري في مجتمعنا هي من السلوكيات المسكوت عنها لانها تعد من خصوصيات الاسرة التي لا يحق لاحد الاطلاع عليها لذا حاولت الباحثة من خلال هذه المحاضره القاء نظرة على الثقافة السائدة داخل مجتمعنا العراقي التي يمكن ان نكشف من خلالها الكثير من المضامين التي تكرس قيماً ومعايير اجتماعية تدعوا الى العنف ضد الزوجه .

      

        فالعنف بوصفة ظاهره اجتماعية ، هو في الوقت نفسه مكتسب ثقافي ، فالثقافة التي يعيش  في كنفها الافراد تحمل الكثير من صفات العنف . وهكذا توفر ثقافة المجتمع القنوات التي يمكن من خلالها تمرير العنف ، فالدين والتربية واللغة والقانون ووسائل لاتصال هي مكونات ثقافية تعمل على اعداد الفرد لكي يتطابق مع القيم والمعايير والمهمات الاجتماعية التي تعدها الثقافة ، كما تعمل في الوقت نفسه من خلال الاساليب القسرية التي تسند اليها ، على استثارة عدوانيته وتكوين مشاعر ضدية تنطلق باتجاه افراد المجتمع لذا فان سلوك العنف ضد الزوجه يستمد فاعليته من خلال نسق القيم والمعايير الذي يحدد مهمات الذكور والاناث ومكانة كل منهما في المجتمع . كما يحرض هذا النسق على تفضيل الذكور وتعظيم سلطتهم الاسرية والاجتماعية على حساب تهميش الاناث وتكريس تبعيتهن .هذا ويستمد نسق المعايير والقيم شرعيته من روافد مختلفة من اهمها الثقافة السائدة في المجتمع .

        ان واقع المجتمع العربي بما يسودة من نظام قيمي وتقليدي متجذر وضع الزوجة في مركز متدن عن الزوج ، تخضع لسيطرة الزوج ونفوذه ، فالاسرة الابوية تتيح  للزوج  السيطرة وفرض نفوذه على الزوجه والاطفال . في حين تحتل الزوجه موقعاً ادنى ، وتتمتع بسلطة محدودة جداً ، بل تحرم في كثير من الاحيان من حقوقها الطبيعية مثل الحق بالتعليم والتنقل والعمل والتعبير عن الراي واكثر من ذلك تتعرض لمعاملة قاسية وعنيفة في كثير من الاحيان . كما نجد الكثير من الزوجات يجدنا بالعنف الموجه ضدهن من قبل الزوج حقا من حقوق الزوج عليهن ، وتحاول اعطاء الزوج تبريرا منطقيا للعنف الذي يمارسه ضدها بكونه دوراً ذكورياً مقبول داخل الاسرة والمجتمع .

       من جانب اخر فقد وضع الاسلام نظام يحدد من مكانة المرأة ويحدد العلاقات الاجتماعية وينظمها مثل العلاقة بين الزوجين وتحدد الحقوق والواجبات وجعل اساسها المودة والرحمة ، فالدين الاسلامي لم يمتهن حقوق الزوجة ومكانتها ، ولم يجعل القوامة قيداً او منفذا يسيطر الزوج به على الزوجة ويستعبدها ، فالقوامة تشير الى مهمة الادارة والتوجية التي تراعى فيها المصلحة الاسرية المشتركة بين الزوجين وابنائهما ، وليس المراد بها القهر والتسلط والسخرية والاستعلاء . بل هي مسؤولية وبذل وسخاء . ويشهد على هذه الحقيقة نص حديث الرسول ( علية وعلى آله وصحبه افضل الصلاة والسلام ) ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ” . فهذه القوامه في حقيقتها تقسيم للعمل على اساس الخبرة والكفاية وليس قهراً ولا قسراً ولا عبوديه .

     

 

 

 

 

 

 

        وبذلك لا تكون القيم الدينية الاسلامية الحقه قد جعلت الزوجة مخلوق متدني الدور والمكانة ، اما الفهم الغامض والمبهم للنصوص الدينية فتلك قضية اخرى ليس لها مساس بجوهر القيم الدينية وحقيقتها . اما من جانب القانون لايتم ايلاء موضوع العنف الاسري ضد الزوجه الاهمية التي تستحق . ويعود ذلك الى وجود عدد من النصوص القانونية القاصرة التي توفر الغطاء لواقع العنف ضد المرأة من جهه او تمنح اعذاراً مخففة من جهه اخرى . لذا فأن نظرة على قانون العقوبات العراقية كفيلة بالكشف عن الألية التي يتم بها اخضاع المرأة وتركها دون حماية ، فالقانون لا يقر بان العنف في محيط الاسرة يعتبر جريمة منفصلة  وغياب موضوع العنف الاسري ضد الزوجة في التداول الرسمي وغياب المؤسسات القضائية والاجتماعية التي تهتم بضحايا العنف في المجتمع وعدم وجود قانون منفصل لحماية المرأة في العراق . وهذا يدل ان هناك قبول للعنف الزوجي وهذا ما يدعمه القانون .

اما اهم التوصيات التي خرجت بها الباحثه من هذه المحاضرة فهي :

  • 1-محاربة العنف الذي يستهدف المرأة بكافة أشكاله ، ووضع العقوبات لمن يرتكب أي ممارسة عنف ضد المرأة ، فضلاً عن انشاء مؤسسات اجتماعية للتعامل مع الحالات التي تعاني من العنف الاسري من النساء ، إذ تقوم المؤسسات بتقديم الحماية للنساء ضحايا العنف .
  • 2-وضع خطة استراتيجية تشترك بها جهات عدة مختصة بالاسرة ، كوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة العدل ووزارة حقوق الانسان ، ومؤسسات المجتمع المدني لدراسة واقع النساء المعنفات ، وايجاد الحلول للمشاكل التي يعانين منها .
  • 3-تبصير الزوجين بالحقوق والواجبات المترتبه على الحياة الزوجية ويكون ذلك من خلال مكاتب الارشاد الاسري ، فضلا عن تنظيم دوراة وبرامج للارشاد الزوجي تقدم للمقبلين على الزواج .
  • 4-تفعيل دور منظمات المجتمع المدني المعنية بالنساء ، ومطالبتها باعداد التقارير الدورية التي تكشف معاناة المرأة المعنفة وتوعية افراد المجتمع بمخاطر العنف الاسري ضد الزوجه على الاسرة والمجتمع .
  • 5-ضرورة تعديل وتحديث المناهج التربوية لمختلف الفئات وتضمين مناهج التعليم في المراحل التعليمية المختلفة الموضوعات الكفيلة بتصحيح الاعراف والتقاليد الاجتماعية والثقافات التي تنتهك حقوق المرأة ، وتعزيز القيم التي تكشف عن المكانة الحقيقية للمرأة بوصفها انسانا وشريك في المجتمع ، فضلا عن دمج مفاهيم المساواة وعدم التمييز بين الذكور والاناث ضمن المقررات الدراسية وادخال موضوعات دراسية في المنهاج التربوي تحث على عدم اللجوء الى استخدام اسلوب العنف لحل المشكلات .
  • 6-حث وسائل الاعلام المحلية المرئيه منها والمسموعه والمقروءة على ايلاء هذه الظاهره الاهتمام الذي تستحقه ووضع خطه اعلامية تستهدف تسليط الضوء على المشكلات التي تعاني منها المرأة وتغيير المفاهيم والافكار التي تحرض على التمييز بين الرجل والمرأة في الاسرة والمجتمع كما تسعى الى رفع وعي النساء بحقوقهن الاجتماعية والقانونية .
  • 7-تشكيل لجنة عليا من اساتذة علم الاجتماع وعلم النفس ، لدراسة واقع المرأة في المجتمع العراقي ، على ان تكون هذه اللجنة تحت اشراف الجهات العليا في الدولة .
  • 8-ضرورة نشر الوعي الديني السليم من قبل رجال الدين ، فيما يخص حقوق المرأة في الشريعة الاسلامية ، فضلا عن دور المؤسسة الدينية بكل مرجعياتها في متابعة وتوجية رجال الدين المتشددين الذين يؤولون الاسلام بطريقتهم ضد قضايا المرأة وحقوقها ، وتوعية افراد المجتمع رجالا ونساءا توعيه دينية حتى لا يستغل الدين استغلالا خاطئا للتقليل من شان المرأة ، بسبب القصور في فهم الايات القرانية .
  • 9-الدعوة الى تطوير وتعديل قانون الاحوال الشخصية بما يضمن للمرأة حقوقها ، فضلا عن تشريع القوانين التي تحمي الزوجة من العنف الاسري .
  • 10-حث المراكز العلمية والجهات البحثية على اعداد الخطط البحثية التي تتناول قضايا المرأة العراقية والتركيز على التحديات الاجتماعية والثقافية التي تقف ضد تطلعات المرأة .